تمثل مريم نموذجاً تقليدياً للأمهات اللائي يعشن في الريف الباكستاني. ففي كل صباح تقوم بإرسال ولديها الكبيرين إلى مدرسة القرية، في حين تبقى هي وابنتها الوحيدة ، وطفلها الصغير الذي يبلغ من العمر عاماً واحداً فقط في المنزل. وعندما يحين وقت تقديم وجبات الطعام تقوم مريم بتقديم الطعام إلى زوجها أولا، ومن ثم إلى ولديها، وفي النهاية تأكل هي وابنتها ما تبقى من طعام. وعندما يمرض أحد من أبنائها الذكور فإنها تقوم بمزيد من التقتير على نفسها كي تشتري له الدواء. أما عندما تمرض ابنتها فإنها تدعو لها بالشفاء لأنها تعرف أن الفتاة سوف تعامل دائماً على أنها أقل من إخوانها، وأنها ستظل دائماً ضحية لـ"فقر الفرص".
والفقر له أبعاد متعددة في باكستان. فهو يشمل انخفاض الدخل، وعدم القدرة على الوصول إلى الحاجات الأساسية مثل الصحة، والتعليم، والتغذية، ومياه الشرب النقية، والصرف الصحي. وعلى الرغم من أن وطأة الفقر كانت قد بدأت تخف تدريجياً خلال فترات الحكم الديمقراطي، إلا أن ذلك الاتجاه سرعان ما تحول إلى النقيض في أواخر عقد التسعينيات من القرن الماضي. وقد عزا التقرير الصادر عن بنك التنمية الآسيوي بخصوص الفقر في باكستان هذه الظاهرة إلى انخفاض معدل النمو الاقتصادي، وانخفاض معدل إنفاق القطاع العام، وانخفاض تحويلات العمالة الباكستانية في الخارج.
على الرغم من إعادة جدولة الديون الباكستانية عقب وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن الملاحظ هو أن الاستثمار الاقتصادي في المشروعات ذات العلاقة بالمرأة كان ضئيلا، وهو ما أدى إلى استمرار معاناة المرأة من الفقر والتخلف.
والاعتقاد السائد حالياً في باكستان بخصوص دور الرجل والمرأة ينظر إلى الرجال باعتبارهم مصدر كسب الرزق للعائلة، أما المرأة فيجب أن تعيش بين أربعة جدران، كي تقوم بدور الأم أو الزوجة فقط.
وتشير الدراسات إلى أنه كلما ازدادت درجة فقر الأسرة، كلما تزايد احتمال اعتماد الأسرة على عمل المرأة. ولكن المشكلة التي تواجهها المرأة في باكستان تتمثل في انخفاض الأجور التي تحصل عليها بسبب تدنى مستوى المهارات لديها وهو ما يرجع إلى ضآلة الاستثمارات المخصصة لتحسين أوضاع المرأة. واليوم يبلغ معدل النسوة المتعلمات في باكستان 65 امرأة مقابل كل 100 رجل.
وعلى رغم أن ذلك يقدم صورة قاتمة، إلا أنه يعد أفضل بكثير مما كان عليه الوضع في باكستان عام 1988 - قبل شروق شمس عصر الديمقراطية. فخلال الفترات التي تولت حكم البلد فيها حكومات ديمقراطية تمكن حزب الشعب الباكستاني من إعلان عام 1989 "عام الطفلة" في باكستان. وأخذ حزب الشعب الباكستاني يستثمر الأموال في افتتاح مدارس ابتدائية للبنات، وفي القيام بتجنيد وتدريب المدرسين والمدرسات للعمل في المدارس الجديدة.
وعلى نفس المنوال، أدت الديمقراطية إلى توفير المزيد من الخدمات الصحية للنساء. ولكن المشكلة هي أن الفترات الديمقراطية في باكستان كانت محدودة للغاية. فالمؤسسة العسكرية القوية في البلد كانت تتدخل في فترات منتظمة لإيقاف تقدم المرأة، بل وتقدم الرجل أيضاً، وتقليص فرص حصولهما على الحاجيات الضرورية مثل الصحة والماء والكهرباء. إن تمكين الناس العاديين من خلال العملية الديمقراطية هو خير وسيلة لمعالجة المشاكل الضخمة للفقر والتخلف التي تنغص حياة الملايين من البشر في العالم في وقتنا الحالي. فالحكومات المنتخبة تكون عادة مسؤولة أمام أفراد الشعب الذي قام بانتخابها، وتجد أنه يتعين عليها تلبية الاحتياجات اللازمة لهذا الشعب كي تظل في السلطة. أما الديكتاتوريات فهي لا تكون ملزمة بتلك المسؤوليات.
إن المطالبة بالحرية تمثل في جوهرها مطالبة بتحرير البشرية من غائلة الفقر والجهل والمرض، والمهانة. وكلما انتشر التعليم بين النساء، وكلما برز المزيد من النساء في مواقع صنع القرار فإن ذلك يخلق فرصاً جديدة للمرأة في كل مكان. وباعتباري امرأة قائدة في مجتمع تقليدي فقد تشرف حزبي بتقديم لائحة التمثيل البرلماني للمرأة- وهي الفكرة التي قام النظام الحالي في باكستان باستعارتها وادعائها لنفسه- من أجل زيادة مشاركة المرأة في البرلمان وفي الحكومات المحلية.
إن مساهمة المرأة في اتخاذ القرار أصبح ينظر إليها بشكل متزايد على أنها المفتاح لتحديث المجتمع وجعله أكثر اعتدالا.
ومن المنعطفات المهمة للمرأة عقد المؤتمر العالمي للمرأة في بكين عام 1995. وهو المؤتمر الذي وقعت فيه باكستان ما يعرف باتفاقية "التخلص من التفرقة ضد المرأة". وحتى عندما قمت بإصدار التفويض اللازم للتوقيع على تلك الاتفاقية كنت أدرك مدى انقسام المجتمع بصدد هذه المسألة، وأعرف أن تمكين المرأة مسألة ترحب بها قوى التحديث في المجتمع بينما تعارضها القوى التقليدية التي تخشى أن تنسى المرأة مكانها التقليدي في المجتمع كمواطنة من الدرجة الثانية.
ومن بين النتائج التي ترتبت على التوقيع على تلك الاتفاقية، أنها وضعت معايير محددة فيما يتعلق بحرية المرأة وتمكينها، يتعين ع